- في يوم 22 ديسمبر من عام 2019 اتخذت إدارة نادي آرسنال الإنجليزي خطوة جريئة بتعيين الإسباني ميكيل أرتيتا مدربا للفريق كأول تجربة له كمدير فني. أرتيتا الذي يملك بداخله الكثير من العشق للمدفعجية وكأنه ولد من أجل هذه اللحظة. أن تلتقط الكاميرات صورة له والقميص الأحمر والأبيض يزين يديه.
- مسؤولي النادي اللندني راهنوا على شخصية أرتيتا وعلى الأفكار التي تعلمها من مجاورة العبقري بيب جوارديولا عندما كان مساعدا له في مانشستر سيتي. أرتيتا الذي كان دوما يرفض الإحتفال بأهداف السيتي في مرمى الجانرز. ألم أقل لكم أنه يملك عشق لا ينتهي لهذا النادي.
- فمنذ اليوم الأول التي وطئت قدماه ملعب "لندن كولني" وضع الرجل الباسكي خطة لإعادة هيبة آرسنال والذي كانت اخر تتويجاته الكبيرة بلقب البريميرليج في عام 2004. اللقب الذي حققه المدرب التاريخي لآرسنال الفرنسي أرسين فينجر بدون أن يتذوق الفريق طعم الخسارة.
- خطة أرتيتا مرت بعدة مراحل، في البداية بدأ بأسلوب لعب يشبه الكرة الإيطالية. يبحث عن هدف ثم العودة للدفاع من أجل تأمين الإنتصار، كان يعرف أن الفوز في بداية مشواره مهم وسيجعل الكل يؤمن به وبقدراته. وسيمنح الجماهير بصيص من الأمل من أجل العودة من جديد لمناطحة كبار الكرة الإنجليزية. وهو ما تحقق بعدما توج بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي في عام 2020 بعد أن أطاح بمعلمه من الدور نصف النهائي قبل التغلب على تشيلسي في المباراة النهائية.

- في المرحلة الثانية: قرر تفريغ الفريق من اللاعبين الغير قادرين على تنفيذ أفكاره. والتعاقد مع لاعبين لديهم وعي خططي أكبر. فعلي سبيل المثال أصر على التعاقد مع المدافع الأيسر الأوكراني زينشينكو والذي كان يعرفه جيدا أثناء فترة تواجده في النادي السماوي. أستخدم أرتيتا زينشينكو ليس فقط كمدافع أيسر يلعب على الخط، بل أعطى له دور اخر بالدخول إلى عمق الملعب لتحرير السويسري جرانيت تشاكا ومنحه واجبات هجومية أكبر للدخول في منطقة عمليات الخصوم. ليس هذا وحسب بل ضم أيضا البرازيلي جابرييل جيسوس، اللاعب القادر على ربط خطوط الفريق في الناحية الهجومية بسبب تحركاته المزعجة خلف المدافعين، وهي الأشياء التي كان يعجز عن تنفيذها المهاجمين السابقين أمثال أوباميانج ولاكازيت.

- ثم إنتقل بعدها للمرحلة الثالثة: وهي ضرورة التأهل للمشاركة في دوري أبطال أوروبا لتحقيق هدفين. الأول: ضخ الأموال في خزينة النادي من أجل الوصول للهدف الثاني: وهو التعاقد مع لاعبين من الطراز الرفيع. اللاعبين الذين دوما يرفضون القدوم لأندية لا تشارك في أكبر بطولة في القارة العجوز. وفي موسم 2023-24 حقق أرتيتا مبتغاه وقاد آرسنال للعودة من جديد للمشاركة في دوري الأبطال بعد "6" سنوات عجاف لم يسمع فيها مشجع الآرسنال نشيد البطولة يعزف في ملعب الإمارات.

- وفي المرحلة الرابعة: قالها المدرب الباسكي العنيد بصوت عالي "حان وقت المنافسة" فرفع راية التحدي. وقدم أداء قوي في بطولة دوري أبطال أوروبا قبل أن يودع بصعوبة من الدور ربع النهائي على يد بايرن ميونيخ. ولكن رياح التغيير بدأت تأتي بثمارها، ففي النسخة الأخيرة من دوري الأبطال وصل الفريق لنقطة أبعد حيث خرج من البطل باريس سان جيرمان في نصف النهائي. أما على الصعيد المحلي نافس بشراسة على لقب البريميرليج موسم 2023-24 والذي خسره في النهاية بفارق نقطتين عن مانشستر سيتي المدجج بالنجوم. ولولا خسارة الفريق أمام أستون فيلا في الأمتار الأخيرة من البطولة لحقق اللقب الغالي والذي كان سيضعه في مصاف المدربين الكبار. فيكفي أن تعرف أن المدرب الألماني يورجن كلوب لم يحقق سوى لقب دوري إنجليزي وحيد مع ليفربول في 9 سنوات قضاها مع الريدز. وهو ما يوضح صعوبة المنافسة في "أرض مهد كرة القدم". وفي الموسم الماضي حاول المنافسة على اللقب ولكن لعنة الإصابات حالت دون ذلك ولكنه تمسك بالوصافة متفوقا على مان سيتي وتشيلسي.

- في المرحلة الخامسة والأخيرة: تراجع أرتيتا عن أفكاره. فدائما كان يعتمد على المهاجم المتحرك والذي يربط خطوط الهجوم ويمنح الأجنحة المساحات للدخول في العمق أمثال جيسوس وكاي هافرتز. حتى أن جاء التعاقد مع المهاجم السويدي فيكتور جيوكيرس والذي سيقود الخط الأمامي لآرسنال في موسم 2025-26. جيوكيرس ماكينة أهداف متحركة، وهو أكثر من سجل في الدوريات الأوروبية الكبرى منذ موسم 2023-24 بواقع "97" هدفا متفوقا على مبابي "88 هدفا"، هاري كين "85 هدفا"، هالاند "72 هدفا" وليفاندوفيسكي "68 هدفا".
- أمام أرتيتا تحدي كبير وهو تغيير أسلوب لعبه في الموسم الجديد ليتماشى مع قدرات جيوكيرس وإخراج أفضل ما عنده. أسلوب لعبه الذي عانى الأمرين عندما يواجه الفرق التي تلعب بخط دفاع متأخر، وهو ما وضح بشدة في الموسم المنقضي. فكان الفريق يفتقد لمهاجم الصندوق. رقم "9" حقيقي يستطيع ترجمة الفرص لأهداف. فهل يعقل أن يتعادل الفريق في 14 مباراة في الدوري!!!. 14 مباراة أضاعت على الفريق 28 نقطة كانت كفيله أن تضع على قميصه الأسد الذهبي.
- طموحات جماهير آرسنال لا حدود لها في الموسم المقبل. فهي ترى أن الوقت قد حان ليترجم أرتيتا مشروعه إلى بطولات تزين خزائن النادي. فهل يستطيع أرتيتا تحقيق اللقب المنتظر؟. سنعرف الإجابة في الموسم الجديد. فالفريق حاليا يمتلك توليفة من اللاعبين الشباب وأصحاب الخبرات إلى جانب تدعيمات الميركاتو الأخيرة. آرسنال وبعد قدوم أندريا بيرتا كمدير رياضي زلزل الميركاتو الصيفي بصفقات قوية. 6 صفقات كلفت خزينة النادي 224 مليون يورو "كيبا ومادويكي من تشيلسي، موسكيرا من فالنسيا، نورجارد من برينتفورد، زوبيميندي من ريال سوسييداد وجيوكيرس من سبورتنج لشبونه".

- وقبل الختام هناك سؤال هام يفرض نفسه، هل يرحل أرتيتا حال فشله في تحقيق لقب كبير؟. كوني مشجع للمدفعجية أتمنى إستمراره على رأس القيادة الفنية للفريق. فهذا الرجل أعاد للجماهير شغفها بعد سنوات عديدة من الإحباط. أصبح الفريق يمتلك هوية واضحة وروحا قتالية داخل الملعب. مشاهد الجماهير وهي تهتف في مدرجات ملعب الإمارات تعكس مدى التغيير الذي أحدثه المدرب الإسباني في عقلية كل مشجع. ولكن هل تنظر الإدارة بأعين المشجعين؟ فالطبع لا. كل إدارة تهدف للربح. فبعد كل الأموال التي تكبدتها سيكون مستقبل أرتيتا في خطر. فهل ينجح في نهاية الموسم في كسر حاجز "المنافس الشرس" والتحول إلى "بطل حقيقي"؟. سؤال لن يجيب عليه فقط المدرب الإسباني بأفكاره وخططه بل أيضا بأقدام ورؤوس لاعبيه. فكم من مدرب ظلم بسبب لاعب أطاح بالكرة وهو على خط الـ12 سم. فالأفكار الفنية ليست وحدها سبب الفشل ولكن المدرب هو المتهم الأول والأخير دائما وأبدا.